الإمام جعفر الصادق عليه‏ السلام

اسمه ونسبه عليه‏ السلام :

هو الإمام جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ابن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبدمناف.

كنيته: أبو عبداللّه‏.

ألقابه: الصادق، الفاضل، الطاهر، الكافل، الصابر...

أُمّه: فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر[1].

ولادته عليه‏ السلام:

ولد بالمدينة يوم الاثنين في السابع عشر من ربيع الأوّل سنة 83 ه . وقيل: يوم الثلاثاء ثامن شهر رمضان من نفس السنة. وقيل غير ذلك[2].

بعض ما قيل فيه عليه‏ السلام:

قال الذهبي عند ترجمته عليه‏ السلام: جعفر بن محمّد بن عليّ ابن الشهيد أبي عبداللّه‏ ريحانة النبيّ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله وسبطه ومحبوبه الحسين بن أميرالمؤمنين أبي الحسن عليّ بن أبيطالب عبدمناف بن شيبة ـ وهو عبدالمطّلب ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبدمناف بن قُصيّ، الإمام الصادق، شيخ بني
هاشم، أبو عبداللّه‏ القرشي الهاشمي العلوي النبوي المدني أحد الأعلام[3].

وقال عنه عليه‏ السلام في موضع آخر: جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين الهاشمي أبو عبداللّه‏، أحد الأئمّة الأعلام، بَرٌّ صادقٌ كبير الشأن[4].

وقال الشيخ كمال‏الدين محمّد بن طلحة الشافعي في ترجمته عليه‏ السلام: هو من عُظماء أهل البيت وساداتهم عليهم‏السلام. ذو علوم جمّة، وعبادة موفّرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيِّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبّع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويُقسِّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يُحاسب عليها نفسه. رؤيته تُذكِّر الآخرة، واستماع كلامه يُزهِّد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنّة. نور قسماته شاهد أ نّه من سُلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أ نّه من ذُرّيّة الرسالة.

نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمّة وأعلامهم... وعدّوا أخذهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلةً اكتسبوها[5].

وقال الشيخ عليّ بن محمّد المالكي الشهير بابن الصبّاغ: كان جعفر الصادق عليه‏ السلام... من بين إخوته خليفة أبيه محمّد بن عليّ عليهماالسلام ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذِكراً،
وأجلّهم قدراً. ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صِيتُهُ وذِكرهُ في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحدٍ من أهل بيته ما نُقل عنه من الحديث.

وروى عنه جماعة من أعيان الأُمّة مثل: يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عُيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني، وغيرهم[6].

وذكره النسّابة جمال‏الدين أحمد بن عليّ الحسيني المعروف بابن عِنَبَة فقال فيه عليه‏ السلام: يُقال له عمود الشرف، ومناقبه متواترة بين الأنام، مشهورة بين الخاصّ والعامّ[7].

ونقل محييالدين النووي عن عمرو بن أبي المقدام أ نّه قال: كنتُ إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنّه من سُلالة النبيِّين[8].

وقال ابن خلّكان حول شخصيّته عليه‏ السلام: وكان من سادات أهل البيت، ولُقِّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضلُه أشهر من أن يُذكر[9].

وقال الشهرستاني: أبو عبداللّه‏ جعفر بن محمّد الصادق، وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تامّ عن الشهوات. وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض
على الموالين له أسرار العلوم[10]...

وقال الشيخ عبداللّه‏ الشبراوي: السادس من الأئمّة جعفر الصادق، ذو المناقب الكثيرة، والفضائل الشهيرة... وغُرر فضائله وشرفه على جبهات الأيّام كاملة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهلة[11].

وقال مالك بن أنس: ما رأت عينٌ ولا سمعت اُذنٌ ولا خَطرَ على قلبِ بشرٍ أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً وورعاً[12].

وقال زيد بن عليّ: في كلّ زمان رجلٌ منّا أهل البيت يحتجّ اللّه‏ به على خلقه، وحُجّةُ زماننا ابن أخي جعفر لا يضلّ مَن تبعه،ولا يهتدي مَن خالفه[13].

المذهب الجعفري:

لقد سنحت الفرصة للإمام الصادق عليه‏ السلام لنشر علوم وعقائد أهل البيت بما لم تسنح به للأئمّة الباقين عليهم‏السلام وذلك لعدّة اُمور:

  1. لقد عاصر الإمام الصادق عليه‏ السلام اُخريات دولة بني مروان واُوليات دولة بني العبّاس، ممّا أدّى إلى انصراف الدولتين عن محاربة الإمام والتضييق عليه، وهذا الأمر لم يتّفق لآبائه وأبنائه عليهم‏السلام.
  2. طول زمن إمامته عليه‏ السلام الّتي جاوزت الثلاثين عاماً.
  3. ظهور عدّة مدارس علمية ومذاهب فقهية، فقد كانت أيّام إمامته
    أيّام علم وفقه وكلام ومناظرة، فكان عليه‏ السلام يصدع بالحقّ، ويقمع الأضاليل والأباطيل.
  4. كثرة تلامذته عليه‏ السلام، فقد ذكروا أنّ عددهم أربعة آلاف أو يزيدون، بما فيهم من أكابر معاصريه من أهل العامة، ومنهم: مالك وأبوحنيفة والسفيانان وغيرهم.

وبناءً على تلك الاُمور فقد عُرف مذهب أهل البيت عليهم‏السلامبـ «المذهب  الجعفري».

من تعاليمه ووصاياه عليه‏ السلام:

قال عليه‏ السلام: كونوا دعاةً للناس بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع[14].

وعنه عليه‏ السلام: لست اُحبّ أن أرى الشابّ منكم إلاّ غادياً في حالين، إمّا عالماً أو متعلِّماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمّداً صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله بالحقّ[15].

وعنه عليه‏ السلام: حُجّة اللّه‏ على العباد النبيّ، والحجّة فيما بين العباد وبين اللّه‏ العقل[16].

وعنه عليه‏ السلام: العلم جُنّةٌ، والصدق عزٌّ، والجهل ذُلٌّ، والفهم مجدٌ، والجود نجحٌ، وحُسن الخُلق مجلبة للمودّة، والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس، والحزم مشكاة الظنّ، واللّه‏ وليُّ مَن عرفه، وعدوّ مَن تكلّفه، والعاقل
غفور، والجاهل ختور، وإن شئت أن تُكرَم فَلِنْ، وإن شئت أن تُهان فاخشُن. ومَن كَرُمَ أصله لانَ قلبه، ومَن خَشُنَ عنصره غلظ كبده، ومَن فرّط تورّط، ومَن خاف العاقبة تثبّت فيما لا يعلم، ومَن هجم على أمرٍ بغير علمٍ جَدَع أنف نفسه[17].

وعنه عليه‏ السلام: انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم، واتّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هُدى، ولن يعيدوكم في ردى[18].

مواقفه الحاسمة:

قال أحمد بن عمر بن مقدام الرازي: وقع الذباب على وجه المنصور فذبّه، فعاد حتّى أضجره، وكان عنده جعفر بن محمّد في ذلك الوقت، فقال له المنصور: يا أبا عبداللّه‏، لِمَ خلق اللّه‏ الذباب؟ قال: ليذلّ به الجبابرة. فسكت المنصور[19].

عن ابن حمدون قال: كتب المنصور إلى جعفر بن محمّد: لِمَ لا  تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمةٍ فنهنّيك، ولا  تراها نقمةً فنعزّيك، فما نصنع عندك؟!

قال: فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه عليه‏ السلام: مَن أراد الدنيا لا  ينصحك، ومَن أراد الآخرة لا يصحبك.

 

فقال المنصور: واللّه‏ِ لقد ميّزَ عندي منازل الناس مَن يُريد الدنيا ممّن يُريد الآخرة، وإنّه ممّن يُريد الآخرة لا الدنيا[20].

عن عبداللّه‏ بن سليمان التميمي قال: لمّا قُتِلَ محمّد وإبراهيم ابنا  عبداللّه‏ بن الحسن بن الحسن صار إلى المدينة رجلٌ يقال له «شبَّة بن عقال» ولاّه المنصور على أهلها، فلمّا قدمها وحضرت الجمعة صار إلى مسجد النبيّ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله فرقى المنبر وحمد اللّه‏ وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعدُ، فإنّ عليّ بن أبيطالب شقّ عصا المسلمين، وحارب المؤمنين، وأراد الأمر لنفسه، ومنعه من أهله، فحرمه اللّه‏ اُمنيّته وأماته بغصّته، وهؤلاء وُلده يتّبعون أثره في الفساد، وطلب الأمر بغير استحقاقٍ له، فهم في نواحي الأرض مُقتّلون، وبالدماء مُضرَّجون.

قال: فعظُم هذا الكلام منه على الناس، ولم يجسر أحدٌ منهم أن ينطق بحرفٍ، فقام إليه رجلٌ عليه إزار قومسي سَحْق[21] فقال: فنحن نحمد اللّه‏ ونصلّي على محمّدٍ خاتم النبيّين وسيّد المرسلين، وعلى رُسل اللّه‏ وأنبيائه أجمعين، أمّا ما قُلت من خيرٍ فنحن أهله، وما قُلت من سُوءٍ فأنت وصاحبك به أولى وأحرى، يا مَن ركب غير راحلته، وأكل غير زاده، ارجع مأزوراً.

ثمّ أقبل على الناس فقال: ألا اُنبِّئكم بأخفّ الناس يوم القيامة ميزاناً،
وأبينهم خُسراناً؟ مَن باع آخرته بدنيا غيره وهو هذا الفاسق. فأسكت الناس، وخرج الوالي من المسجد لم ينطق بحرف. فسألت عن الرجل، فقيل لي: هذا جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبيطالب صلوات اللّه‏ عليهم[22].

قبسٌ من احتجاجاته عليه‏ السلام:

عن هشام بن الحكم قال: دخل ابن أبي العوجاء[23] على الصادق عليه‏ السلام، فقال له الصادق عليه‏ السلام: يا ابن أبي العوجاء، أنت مصنوع أم غير مصنوع؟

قال: لست بمصنوع.

فقال له الصادق عليه‏ السلام: فلو كنت مصنوعاً كيف كنت؟

فلم يحر ابن أبي العوجاء جواباً، وقام وخرج[24].

وعن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبداللّه‏ عليه‏ السلام فورد عليه رجلٌ من أهل الشام فقال: إنّي رجل صاحب كلام وفقه وفرائض، وقد جئت لمناظرة أصحابك.

فقال له أبو عبداللّه‏: كلامك هذا من كلام رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله أو من عندك؟

فقال: من كلام رسول اللّه‏ بعضه، ومن عندي بعضه.

فقال أبو عبداللّه‏: فأنت إذاً شريك رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله! قال: لا.

قال: فسمعت الوحي من اللّه‏ تعالى؟ قال: لا.

 

قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللّه‏؟ قال: لا.

قال: فالتفت إليَّ أبو عبداللّه‏ عليه‏ السلام فقال: يا يونس هذا خصَم نفسه قبل أن يتكلّم[25].

وعن عبداللّه‏ بن شبرمة قال: دخلتُ أنا وأبوحنيفة على جعفر بن محمّد، فقال لابن أبي ليلى: مَن هذا معك؟ قال: هذا رجلٌ له بصر ونفاذ في أمر الدين.

قال: لعلّه يقيس أمر الدين برأيه؟ قال: نعم.

قال: فقال جعفر لأبي حنيفة: ما اسمك؟ قال: نعمان...

قال: ما أراك تُحسن شيئاً. ـ ثمّ جعل الإمام يسأله عن أشياء فلم يجبه أبو حنيفة عن تلك، ولمّا أجاب عنها الإمام عليه‏ السلام ـ قال: يا نعمان، حدّثني أبي عن جدّي أنّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آلهقال: أوّل من قاس أمر الدين برأيه ابليس. قال اللّه‏ تعالى له: اسجد لآدم، فقال «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»[26]. فمن قاس الدين برأيه قرنه اللّه‏ تعالى يوم القيامة بإبليس، لأ نّه اتّبعه بالقياس[27].

وفـاته عليه‏ السلام:

توفّي سلام اللّه‏ عليه في شهر شوّال سنة 148 ه ، وقيل: يوم الاثنين في النصف من رجب من تلك السنة[28].


 

[1] و2ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 1/359 ـ 361.

[2]

[3] ـ سير أعلام النبلاء: 6/255 رقم 117.

[4] ـ ميزان الاعتدال: 1/414 رقم 1519.

[5] ـ مطالب السؤول: 2/110.

[6] ـ الفصول المهمّة: 2 / 907 ـ 909.

[7] ـ عُمدة الطالب: 176.

[8] ـ تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 150، صفة الصفوة: 2/98، حلية الأولياء: 3/225 رقم 236.

[9] ـ وفيات الأعيان: 1/327 رقم 131.

[10] ـ الملل والنحل: 1/147.

[11] ـ الإتحاف بحب الأشراف: 146.

[12] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4/248.

[13] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 277.

[14] ـ الكافي: 2/105 ح10.

[15] ـ الأمالي للطوسي: 1/310.

[16] ـ الكافي: 1/25 ح 22.

[17] ـ تحف العقول: 356.

[18] ـ شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده: 1 / 189.

[19] ـ نور الأبصار للشبلنجي: 299.

[20] ـ كشف الغمّة: 2/420.

[21] ـ السَّحْق: الثوب الخلق الّذي انسحق وبَليَ به. لسان العرب: 10 / 153.

[22] ـ الأمالي للطوسي: 1/50.

[23] ـ هو عبدالكريم بن أبي العوجاء، أحد الزنادقة في عصر الإمام الصادق عليه‏السلام. انظر الكنى والألقاب للقمّي: 1/201.

[24] ـ الاحتجاج: 2 / 333.

[25] ـ المصدر السابق: 2 / 364.

[26] ـ الأعراف: 12.

[27] ـ حلية الأولياء: 3 / 229 ح 3797، عنه كشف الغمّة: 2 / 397 صدر الخبر.

[28] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 1 / 361.

الإمام محمّد الباقر  عليه‏ السلام

اسمه ونسبه عليه‏ السلام:

هو الإمام محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف.

كنيته: أبو جعفر.

ألقابه: الباقر، الشاكر، الهادي، الأمين، ...

أُمّه: فاطمة بنت الحسن بن عليّ عليهماالسلام[1].

ولادتـه عليه‏ السلام:

ولد عليه‏ السلام في حياة جدّه الإمام الحسين عليه‏ السلام في المدينة يوم الجمعة غرّة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة. وقيل: في الثالث من صفر من السنة المذكورة. وقيل غير ذلك[2].

شخصيته عليه‏ السلام:

كان جابر بن عبداللّه‏ الأنصاري يقعد في مسجد رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آلهويُنادي: يا باقر العلم، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر
يهجر، فكان يقول: لا واللّه‏ ما أهجر، ولكنّي سمعت رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله يقول: إنّك ستدرك رجلاً منّي اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقراً. فذلك الذي دعاني إلى ما أقول[3].

وعن الإمام الصادق عليه‏ السلام قال: حدّثني أبي، وكان خير محمّدي يومئذٍ على وجه الأرض[4].

وقال ابن حجر الهيتمي: أبوجعفر محمّد الباقر، سُمّي بذلك من بقر الأرض، أي شقّها وأثار مُخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مُخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحِكم واللطائف ما لايخفى إلاّ على مُنطمس البصيرة أو فاسد الطويّة[5] والسريرة، ومن ثَمّ قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خُلقُه، وعمرت أوقاته بطاعة اللّه‏، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لاتحتملها هذه العجالة[6].

وقال الذهبي: أبو جعفر الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام... وكان سيّد بني هاشم في زمانه، اشتهر بالباقر من قولهم بقر العلم، يعني شقّه فعلم أصله وخفيّه[7].

 

وذكره في مكان آخر وقال: كان أحد مَن جمع بين العلم والعمل، والسؤد، والشرف، والثقة، والرزانة، وكان أهلاً للخلافة... ولقد كان أبو جعفر إماماً مجتهداً، تالياً لكتاب اللّه‏، كبير الشأن[8].

وقال ابن العماد الحنبلي: كان من فقهاء المدينة، وقيل له الباقر لأنّه بقر العلم أي شقّه وعرف أصله وخفيّه وتوسّع فيه، وهو أحد الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإماميّة[9].

وقال محمّد فريد وجدي: كان الباقر عالماً نبيلاً وسيّداً جليلاً، وسُمّي الباقر لأنّه تبقّر في العلم أي توسّع[10].

وقال عنه عليه‏ السلام الشيخ محمّد أبوزُهرة: ورث الباقر إمامة العلم ونيل الهداية عن أبيه زين العابدين، ولذا كان مقصد العلماء من كلّ البلاد الإسلاميّة، وما زار أحدٌ المدينة إلاّ عرّج على بيت محمّد الباقر يأخذ عنه[11].

وقال الشيخ محييالدين النووي: محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضى‏الله‏عنه، القريشي الهاشمي المدني أبوجعفر المعروف بالباقر، سُمّي بذلك لأنّه بقر العلم، أي شقّه فعرف أصله وعلم خفيّه...
وهو تابعيّ جليل، إمام بارع، مُجمع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم[12].

وقال ابن تيميّه: كان ابنه محمّد الباقر أعظم الناس زُهداً وعبادةً، بقر السجود جبهته، وكان أعلم أهل وقته، سمّاه رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله الباقر... ـ وذكر حديث جابر ـ[13].

وقال عبداللّه‏ بن عطاء ما رأيت العلماء عند أحدٍ أصغرَ منهم علماً عنده[14].

وعن سلمة بن كُهَيْل في قوله «لَأَيَـتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ»[15] قال: كان أبو  جعفر منهم[16].

وقال ابن أبي الحديد: كان محمّد بن عليّ بن الحسين... وهو سيّد فُقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّمَ الناسُ الفقه، وهو الملقّب بالباقر، باقر العلم، لقّبه به رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله ولم يُخلق بعد، وبشّرَ به، ووعد جابر بن عبداللّه‏ برؤته وقال: ستراه طفلاً، فإذا رأيته فأبلِغْهُ عنّي السلام. فعاش جابر حتّى رآه وقال له ما وصّى به[17].

وقال ابن كثير: هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب
القرشي الهاشمي أبوجعفر الباقر، واُمّه اُمّ عبداللّه‏ بنت الحسن بن عليّ، وهو تابعيّ جليل، كبير القدر كثيراً، أحد أعلام هذه الاُمّة علماً وعملاً وسيادةً وشرفاً...

وسُمّي الباقر لبقره العلوم واستنباطه الحكم، كان ذاكراً خاشعاً صابراً، وكان من سُلالة النبوّة، رفيع النسب، عالي الحسب، وكان عارفاً بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، مُعرضاً عن الجدال والخصومات[18].

قبس من سيرته عليه‏ السلام

كرمه وجوده عليه‏ السلام:

قال ابن الصبّاغ المالكي: كان محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم‏السلام ـ مع ما هو عليه من العلم والفضل والسؤد والرئاسة والإمامة ـ ظاهر الجود في الخاصّة والعامّة، مشهور الكرم في الكافّة، معروفاً بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسّط حاله.

وحكت سلمى مولاة أبي جعفر عليه‏ السلام أ نّه كان يدخل عليه بعض إخوانه، فلايخرجون من عنده حتّى يُطعمهم الطعام الطيّب، ويكسوهم الثياب الحسنة في بعض الأحيان، ويهب لهم الدراهم، فكنت أقول له في ذلك فيقول: يا سلمى، ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الإخوان والمعارف. وكان يصل بالخمسمائة درهم وبالستمائة وبالألف درهم[19].

 

تسليمه لأمر اللّه‏:

عن سفيان بن عيينة: أنّ ابناً لأبي جعفر محمّد بن عليّ مرض قال: فخشينا عليه، فلمّا توفّي خرج فصار مع الناس. فقال له قائل: خشينا عليك.

فقال: إنّا ندعواللّه‏ فيما نُحبّ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه‏ فيما يُحبّ[20].

هيبته وجلالته:

عن أبي حمزة الثمالي قال: لمّا كانت السنة التي حجّ فيها أبو  جعفر محمّد بن عليّ ولقيه هشام بن عبدالملك أقبل الناس ينثالون عليه، فقال عكرمة: مَن هذا؟ عليه سيماء زهرة العلم، لاُجرِّبنّه. فلمّا مثُل بين يديه ارتعدت فرائصه واُسقط في يد أبي جعفر وقال: يا ابن رسول اللّه‏، لقد جلستُ مجالس كثيرة بين يدي ابن عبّاس وغيره، فما أدركني ما أدركني آنفاً.

فقال له أبوجعفر: ويلك يا عُبيد أهل الشام، إنّك بين يدي بُيوت أذن اللّه‏ُ أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه[21].

من لآلئ كلماته:

 

روى الصادق عن أبيه عليهماالسلام قال: جاءه رجل فقال: أوصني. قال: هيّئ جهازك، وقدِّم زادك، وكُن وصيَّ نفسك[22].

وعنه عليه‏ السلام: ما من عبادة أفضل من عفّة بطنٍ أو فرْج. وما من شيءٍ أحبّ إلى اللّه‏ من أن يُسأل. وما يدفع القضاء إلاّ الدعاء. وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ، وإنّ أسرع الشرّ عقوبةً البغي. وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لايستطيع التحوّل عنه، وأن يُؤي جليسه بما لا يعنيه[23].

وعنه عليه‏ السلام: عالمٌ ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد[24].

وقال عليه‏ السلام: من الغيبة أن تقول في أخيك ما سترهُ اللّه‏ عليه، فأمّا الأمر الظاهر منه مثل الحِدّة والعجلة فلابأس أن تقوله. وأنّ البُهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه[25].

وفـاته عليه‏ السلام:

قُبض عليه‏ السلام في السابع من ذي الحجّة سنة أربع عشرة ومائة من الهجرة النبوية. وهناك أقوال أُخر في يوم وفاته عليه‏ السلام [26].

 

 

[1] و2ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين: 1 / 340 ـ 341.

[2]

[3] ـ الكافي: 1/469ح2.

[4] ـ البداية والنهاية: 9/338.

[5] ـ الطويّة: الضمير.

[6] ـ الصواعق المحرقة لابن حجر: 201.

[7] ـ تذكرة الحفّاظ: 1/93 رقم109.

[8] ـ سير أعلام النبلاء: 4/402 رقم158.

[9] ـ شذرات الذهب: 1/149.

[10] ـ دائرة معارف القرن العشرين: 3/563.

[11] ـ الإمام الصادق عليه‏السلام لأبي زُهرة: 22.

[12] ـ تهذيب الأسماء واللغات: 1/87 رقم18.

[13] ـ منهاج السُنّة: 4 / 11.

[14] ـ شذرات الذهب: 1/149، البداية والنهاية: 9/340، تاريخ مدينة دمشق 54/278، حلية الأولياء: 3/217 رقم 3757.

[15] ـ الحجر: 75.

[16] ـ سير أعلام النبلاء: 4/405، تاريخ مدينة دمشق: 54/279.

[17] ـ شرح نهج البلاغة: 15/277.

[18] ـ البداية والنهاية: 9/338 و339.

[19] ـ الفصول المهمّة: 2 / 892 .                                                                     

[20] ـ تاريخ مدينة دمشق: 54/294.

[21] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4/182.

[22] ـ تاريخ مدينة دمشق: 54/292.

[23] ـ تاريخ مدينة دمشق: 54/293.

[24] ـ تحف العقول: 294.

[25] ـ المصدر السابق: 298.

[26] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 1 / 341.

الإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلام

اسمه ونسبه عليه‏ السلام:

هو الإمام عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب ابن هاشم بن عبد مناف.

كنيته: أبو محمّد.

ألقابه: زين العابدين، إمام المتّقين، سيّد العابدين، سيّد العبّاد، سيّد الساجدين، زين الصالحين، المتهجّد، الزاهد، العابد، البكّاء، السجّاد، ذوالثفنات، حليف القرآن، و...

أُمّه عليه‏ السلام شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى أبرويز. وقيل: شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار الكسرى. وقيل غير ذلك[1].

وجاء في وصيّة الإمام أميرالمؤمنين عليه‏ السلام إلى ولده الحسين عليه‏ السلامبالبرّ بها والإحسان إليها قائلاً: أحسن إلى شهربانويه، فإنّها مرضيّة، فستلد لك خير أهل الأرض بعدك[2].

وفي كلام آخر له عليه‏ السلام يقول فيه: وهي أُمّ الأوصياء الذرّية الطيّبة[3].

ولادتـه عليه‏ السلام:

ولد عليه‏ السلامفيالمدينه‏سنه‏ثمان وثلاثين من الهجرة في الخامس من شعبان.
وقيل: في الثامن من شعبان. وقيل: في السابع؛ وهناك أقوال أُخر[4].

روى جابر بن عبداللّه‏ الأنصاري قال: كنت مع رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آلهوالحسين في حجره وهو يلاعبه فقال صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله: يا جابر، يُولد لابني الحسين ابنٌ يقال له «عليّ» إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: لِيقُم سيّد العابدين فيقوم عليّ بن الحسين[5].

صفته عليه‏ السلام وأخلاقه:

كان أفضل أهل زمانه مُعظّماً مهيباً حتّى عند الأعداء.

قال ابن حجر: وزين العابدين هذا هو الّذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة، وكان إذا توضّأ للصلاة اصفرَّ لونُه، فقيل له في ذلك فقال: ألا تدرون بين يدي مَن أقف. وحُكي أنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة[6].

وقال الجاحظ: وأمّا عليّ بن الحسين بن عليّ فلم أرَ الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي، ولم أرَ الشيعي إلاّ كالمعتزلي، ولم أرَ المعتزلي إلاّ كالعامّي، ولم أرَ العامّي إلاّ كالخاصّي، ولم أجد أحداً يتمارى في تفضيله ويشكّ في تقديمه[7].

وكان له عليه‏ السلام ابن عمٍّ يُؤذيه، فكان يجيئه ويُعطيه الدنانير ليلاً وهو
مُتستِّر، فيقول: لكن عليّ بن الحسين لا يصلني، لا جزاه اللّه‏ خيراً. فيسمع ويصبر. فلمّا مات انقطع عنه، فعلم أنّه هو الّذي كان يصله.

ولمّا طرد أهل المدينة بني أُميّة في وقعة الحرّة أراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله، فلم يقبل أحدٌ أن يكونوا عنده إلاّ عليّ بن الحسين فوضعهم مع عياله وأحسن إليهم.

وكان يعول أهل بيوت كثيرة في المدينة، لا يعرفون مَن يأتيهم برزقهم حتّى مات عليه‏ السلام.

وكان يقول لمن يشتمه: إن كنتُ كما قُلتَ فأسأل اللّه‏ أن يغفر لي، وإن لم أكن كما قُلتَ فأسأل اللّه‏ أن يغفر لك.

وكان لا يضرب مملوكاً، بل يكتب ذنبه عنده حتّى إذا كان آخر شهر رمضان جمعهم وقرّرهم بذنوبهم وطلب منهم أن يستغفروا له اللّه‏ كما غفر لهم، ثمّ يعتقهم ويجزيهم بجوائز.

وكان لا يُسافر إلاّ مع رفقةٍ لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من  خدم الرفقة فيما يحتاجونه، ويقول: أكره أن آخذ برسول اللّه‏ ما  لا  أعطي  مثله.

وكان إذا أتاه السائل قال: مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة[8].

وقال له رجل: يا ابن رسول اللّه‏، إنّي لأُحبّك في اللّه‏ حُبّاً شديداً.

فقال عليه‏ السلام: اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أُحَبَّ فيك[9] وأنت لي مبغض...

 

ولقد سُئلت عنه مولاة له فقالت: أُطنب أو أختصر.

فقيل لها: بل اختصري.

فقالت: ما أتيته بطعامٍ نهاراً قطّ، وما فرشت له فراشاً بليلٍ قطّ[10].

وقال ابن شهرآشوب: قلّما يوجد كتاب زهد وموعظة لم يُذكر فيه «قال عليّ بن الحسين» أو «قال زين العابدين»[11].

من احتجاجاته عليه‏ السلام:

جاء رجل من أهل البصرة إلى عليّ بن الحسين عليه‏ السلام فقال: يا عليّ بن الحسين، إنّ جدّك عليّ بن أبيطالب قتل المؤمنين.

فهملت عينا عليّ بن الحسين دموعاً حتّى امتلأت كفّه منها، ثمّ ضَرب بها على الحصى ثمّ قال: يا أخا أهل البصرة، لا واللّه‏، ما قتل عليّ مؤمناً ولا قتل مسلماً، وما أسلم القوم ولكن استسلموا، وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام. فلمّا وجدوا على الكفر أعواناً أظهروه. وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمّد صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّين وأصحاب النهروان لُعنوا على لسان النبيّ الأُمّي، وقد خابَ من افترى.

فقال شيخ من أهل الكوفة: يا عليّ بن الحسين، إنّ جدّك كان يقول:
إخواننا بغوا علينا.

فقال عليّ بن الحسين عليه‏ السلام: أما تقرأ كتاب اللّه‏: «وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً»[12] فهم مثلهم، أنجى اللّه‏ عزّ وجلّ هوداً والذين معه، وأهلك عاداً بالريح العقيم[13].

حِكمه ومواعظه عليه‏ السلام :

قال عليه‏ السلام: اتّقوا اللّه‏ عباداللّه‏ واستقبلوا في إصلاح أنفسكم وطاعة اللّه‏ وطاعة مَن تولّونه فيها، لعلّ نادماً قد ندم فيما فرّط بالأمس في جنب اللّه‏، وضيّع من حقوق اللّه‏، واستغفروا اللّه‏ وتوبوا إليه، فإنّه يقبل التوبة ويعفو عن السيّئة، ويعلم ما تفعلون. وإيّاكم وصحبة العاصين، ومعونة الظالمين، ومجاورة الفاسقين. احذروا فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم.

واعلموا أنّه مَن خالف أولياء اللّه‏ ودان بغير دين اللّه‏ واستبدّ بأمره دون أمر وليّ اللّه‏ كان في نارٍ تلتهب، تأكل أبداناً قد غابت عنها أرواحها، وغلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حرّ النار، ولو كانوا أحياءً لوجدوا مضض حرّ النار، واعتبروا يا اُولي الأبصار. واحمدوا اللّه‏ على ما هداكم، واعلموا أنّكم لا تخرجون من قدرة اللّه‏ إلى غير قدرته، وسيرى اللّه‏ عملكم ورسوله ثمّ إليه تُحشرون، فانتفعوا بالعظة، وتأدّبوا
بآداب  الصالحين[14].

وقال عليه‏ السلام: الخير كلّه صيانة الإنسان لنفسه[15].

وقال عليه‏ السلام: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين[16].

وقالعليه‏ السلام: مَن كرُمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا[17].

وقالعليه‏ السلام: مَن قنع بما قسم اللّه‏ له فهو من أغنى النّاس[18].

من تراثـه عليه‏ السلام:

لقد خلّف الإمام زين العابدين عليه‏ السلام تراثاً خالداً رائعاً للاُمّة الإسلامية، تمثّل في كتابين عظيمين:

أوّلهما: الصحيفة السجّادية، وتسمّى أيضاً بـ (إنجيل أهل البيت) و (زبور آل محمّد) الّتي عرض فيها الإمام عليه‏ السلاممنهاجاً متكاملاً للحياة الإنسانية الرفيعة باُسلوبٍ فذٍّ وبلاغةٍ فريدة.

وثانيهما: رسالة الحقوق، والّتي تكفّلت ببيان تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للاُمّة، بما يجمع لهما عوامل الاستقرار والرقي والسلامة.

 

وله سلام اللّه‏ عليه آثار أُخر ذُكرت في كتب ترجمته وسيرته.

جهـاده عليه‏ السلام:

لقد حضر الإمام السجّاد عليه‏ السلام في معركة كربلاء إلى جانب والده الإمام الحسين عليه‏ السلام (وروي أنّه ارتُثَّ يومئذٍ، وقد حضر بعض القتال، فدفع اللّه‏ُ عنه[19].

وهكذا سيق في أسر الأعداء، فوقف مواقف بطولية تصدّى فيها لتزوير الحكام الظالمين، وأزاح الستار عن جورهم وظلمهم وانحرافهم عن الإسلام، فقد روي أنّ يزيد أمَر بمنبرٍ وخطيب، ليذكر للنّاس مساوي للحسين وأبيه عليّ عليهماالسلام، فصعد الخطيب المنبر... وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد. فصاح به عليّ بن الحسين: ويلك أيّها الخاطب، اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النّار. ـ وبعد أن استأذن من يزيد حتّى يصعد المنبر وأذن له بذلك رقاه فقال: ـ أيّها النّاس، اُعطينا ستّاً، وفُضّلنا بسبع اُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين.

وفُضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمّداً صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله، ومنّا الصدّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد اللّه‏ وأسد الرسول، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الاُمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة، فمن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن مَن حمل الزكاة بأطراف الردا، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا
ابن خير من انتعل واحتفى... قال: ولم يزل يقول: أنا أنا حتّى ضجّ النّاس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذّن أن يؤذّن...[20]

فكان خطابه عليه‏ السلام في مجلس يزيد من أروع الوثائق الجهادية السياسية في تاريخ الإسلام.

وفـاته عليه‏ السلام:

توفّي صلوات اللّه‏ عليه في الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة 95 ه ، وقيل غير ذلك[21].

 

 

[1] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام : 1/321 ـ 323.

[2] ـ عيون المعجزات: 62.

[3] ـ الخرائج والجرائح: 2/751.

[4] ـ راجع موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 1/323 و324.

[5] ـ مطالب السؤول: 2/106.

[6] ـ الصواعق المحرقة لابن حجر: 200.

[7] ـ عُمدة الطالب: 174.

[8] ـ اُنظر أعيان الشيعة: 1 / 630.

[9] ـ أثبتناه كما في البحار.

[10] ـ الخصال: 518 ضمن ح 4، عنه البحار: 46 / 62 ح 19.

[11] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 161.

[12]           ـ الأعراف: 65.

[13] ـ الاحتجاج: 312.

[14] ـ الكافي: 8/16 ضمن ح2.

[15] ـ 5 ـ تحف العقول: 278، عنه البحار: 78 / 136 ضمن رقم 3.

[16]

[17]

[18]

[19] ـ انظر تسمية مَن قُتل مع الحسين عليه‏السلام مجلّة تراثنا: العدد الثاني ص150.

[20] ـ مقتل الحسين للخوارزمي: 2/76 ـ 78 ضمن رقم32.

[21] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 1 / 324 و325.

الإمام الحسين بن علي (عليهما السَّلام)

 

اسمه عليه ‏السلام ونسبه

هو الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم‏بن عبد مناف.

كنيته: أبوعبداللّه‏.

ألقابه: سيّد الشهداء، السبط الثاني، الطيّب، ريحانة النبي، الإمام المظلوم، سيّد شباب أهل الجنّة، المبارك، و...

أُمّه: فاطمة بنت رسول اللّه‏ محمّد صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله.

ولادته عليه‏ السلام

في ذلك اليوم المشرق الوضّاء الدافق بالنور والبهاء ـ يوم الخميس الثالث من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة ـ كانت ولادة ثاني السبطين والريحانتين، الإمام أبي عبداللّه‏ الحسين صلوات اللّه‏ عليه[1].

وسارع النبيّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم الى دار حبيبته الزهراء فأخذ هذا الوليد الجديد بيديه الكريمتين، فأذّن في اُذنه اليُمنى و أقام في اليُسرى، وسمّاه حسيناً و كنّاه أبا عبداللّه‏، و أمر بعد ذلك أن يُعقَّ عنه بكبشٍ، و أَن يُحلق شعر رأسه و يُتصدّق بزنته فضَّة وأن يُطلى رأسه بالخلوق[2].

تكريم النبيّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله إيّاه عليه ‏السلام

وضع النبيّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله فاه على فيه فقبّله وقال: حسين منيّ و أنا من حسين، أحبّ اللّه‏ُ مَنْ أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط[3].

خرج النبيّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم من بيت عائشة، فمرّ على بيت فاطمة فسمع حسيناً يبكي، فقال: ألم تعلمي أن بكاءه يُؤذيني[4].

كان رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم يُصلّي، فإذا سجد و ثب الحسن و الحسين على ظهره، فاِذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره و قال: من أحبّني فليُحبّ هذين[5].

وعنه صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم قال: من سرَّهُ أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنّة فلينظر إلى الحسين بن عليّ[6].

وعن أمير المؤنين عليه ‏السلام قال: دخلت على النبيّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم ذات يوم وإذا عيناه تفيضان، قلت: يا نبيّ اللّه‏، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرئيل قبلُ فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات.

قال: فقال: هل لك إلى أن أُشِمّك من تربته؟

قال: قلت: نعم. فمدّ يده فقبض قبضةً من تُراب فأعطانيها، فلم أمِلك عينيَّ أن فاضتا[7].

وقال صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة[8].

وقال صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم: من أراد أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن عليّ[9].

الحسين عليه ‏السلام في القرآن الكريم

  1. قوله تعالى «وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَ هِيمَ رَبُّهُو بِكَلِمَـتٍ»[10]

سئل الإمام الصادق عليه‏السلام: ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، و هو أنّه قال: أسألك بحقّ محمّدٍ وعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين إلاّ تبت عليَّ[11].

  1. قوله تعالى «ءَامَنَّا بِاللّه‏ وَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا»[12]

عن الإمام الباقر عليه‏السلام: إنّما عنى بذلك عليّاً وفاطمة والحسن و الحسين، وجرت بعدهم في الأئمّة عليهم ‏السلام[13].

  1. قوله تعالى «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ»[14].

 

لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً و حسيناً فقال: اللّهمّ هؤاء أهلي[15].

  1. قوله تعالى «أَطِيعُواْ اللّه‏ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ»[16]

سئل النبيّ الأكرم صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم: مَن اُولوالأمر الذين قرن اللّه‏ طاعتهم بطاعتك؟ فقال صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم: هم خُلفائي... و أئمّة المسلمين بعدي، أوّلهم عليّ ابن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين...[17]

  1. قوله تعالى «وَمَن يُطِعِ اللّه‏ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـلـءِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه‏ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّــلِحِينَ»[18]

عن الرسول الأعظم صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم قال: «الذين أنعم اللّه‏ عليهم من النبيّين» أنا، و «الصدّيقين» عليّ بن أبي طالب، و «الشهداء» الحسن و الحسين وحمزة، و«حسُنَ اُولئك رفيقاً» الأئمّة الاثنا عشر بعدي[19].

بعض ما قيل حول شخصيّته عليه‏ السلام

ـ قال الاُستاذ عبداللّه‏ العلايلي: جاء في أخبار الحسين أنّه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال جدّه العظيم، فأفاض النبيّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلمعليه
إشعاعة غامرة من حُبّه و أشياء نفسه، ليتمّ له أيضاً من وراء الصورة معناها، فتكون حقيقة من بعد كما كانت من قبل إنسانية ارتقت إلى نبوّة (وأنا من حسين) ونبوّة هبطت إلى إنسانية (حسين منّي) فسلامٌ عليه يوم ولد[20].

ـ و قال الاُستاذ عبّاس محمود العقّاد: مثل للناس في حلّة من النور تخشع لها الأبصار، و باء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان، غير مستثنى منهم عربي ولا عجمي، و قديم و حديث، فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم اُسرة الحسين عُدّة وقدرة و ذكرة، و حسبه أنّه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين[21].

ـ وقال الاُستاذ أحمد حسن لُطفي: إنّ الموت الذي كان ينشده فيها كان يُمثّل في نظره مُثلاً أروع من كلّ مُثل الحياة، لأنّه الطريق إلى اللّه‏ الذي منه المبتدأ و إليه المُنتهى، و لأنّه السبيل إلى الانتصار وإلى الخلود، فهو أعظم بطل ينتصر بالموت على الموت[22].

ـ وقال الاُستاذ عبدالحفيظ أبوالسعود: عنوان النضال الحرّ، و الجهاد المُستميت، و الاستشهاد في سبيل المبدأ و العقيدة، و عدم الخضوع لجور السلطان و بغي الحاكمين[23].

 

ـ وقال الاُستاذ عمر أبونصر: هذه قصّة اُسرة من قريش حملت لواء التضحية و الاستشهاد و البطولة من مشرق الأرض إلى مغربها، قصّة ألّف فصولها شباب ما عاشوا كما عاش الناس، و لا ماتوا كما مات الناس، ذلك أنّ اللّه‏ شرّف هذه الجماعة من خلقه بأن جعل النبوّة والوحي والإلهام في منازلها، و زاد ندى فلم يشأ لها حظّ الرجل العادي من عباده، وإنّما أرادها للتشريد و الاستشهاد، و أرادها للمثل العليا من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و كتب لها أن تتزعّم لواء التقوى والصلاح إلى آخر ما يكون من ذُرّيّتها[24].

معالم من شخصيّته عليه ‏السلام

  1. صلابته

قال مروان بن الحكم يوماً للحسين بن عليّ عليه‏السلام: لولا فخركم بفاطمة بِمَ كنتم تفتخرون علينا؟

فوثب الحسين عليه ‏السلام - وكان شديد القبضة - فقبض على حلقه فعصره، ولوى عمامته على عنقه حتّى غُشي عليه، ثمّ تركه، وأقبل الحسين عليه ‏السلام على جماعة من قريش فقال:

أنشدكم باللّه‏ إلاّ صدّقتموني إن صدقت، أتعلمون أنّ في الأرض
حبيبين كانا أحبَّ إلى رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم منّي ومن أخي؟ أو على ظهر الأرض ابنُ بنت نبيّ غيري و غير أخي؟ قالوا: اللّهمّ لا. قال: وإنّي لا  أعلم أنّ في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه طريدَي رسول  اللّه‏، واللّه‏ ما بين جابرس وجابلق أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجُلان ممّن ينتحل الإسلام أعدى للّه‏ ولرسوله  ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان، و علامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤ عن منكبك.

قال: فواللّه‏ ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب فانتفض، وسقط رداؤ عن عاتقه[25].

  1. أمره عليه ‏السلام بالمعروف

إنّ الحسن والحسين مرّا على شيخ يتوضّأ و لا  يُحسن، فأخذا بالتنازع يقول كلّ واحدٍ منهما: أنت لاتُحسن الوضوء. فقالا: أيّها الشيخ كن حكماً بيننا يتوّضّأ كلّ واحد منّا سوية، ثمّ قالا: أيّنا يُحسن؟

قال: كلاكما تُحسنان الوضوء، و لكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يُحسن، و قد تعلَّم الآن منكما و تاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على اُمّة جدِّكما[26].

  1. خُلقه الرفيع

 

عن الإمام الباقر عليه‏السلام: ما تكلّم الحسين بين يدي الحسن إعظاماً له[27].

وعن الإمام أمير المؤنين عليه ‏السلام أنّه قال: كان الحسن في حياة رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم يدعوني أبا الحسين، و كان الحسين يدعوني أبا الحسن، ويدعوان رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم أباهما، فلمّا تُوفّي رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم دعواني بأبيهما[28].

  1. خشيته عليه ‏السلام من اللّه‏ تعالى

كان الحسين بن عليّ عليهماالسلام إذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال: حقّ لمن وقف بين يدي اللّه‏ الملك الجبّار أن يصفرَّ لونه و ترتعد مفاصله[29].

  1. اهتمامه عليه ‏السلام بالحقوق

عن موسى بن عمير عن أبيه قال: أمرني الحسين بن علي قال: نادِ أن لايُقتل معي رجل عليه دَين، و نادِ بها في الموالي، فإنّي سمعت رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم يقول: من مات و عليه دَين اُخذ من حسناته يوم القيامة[30].

  1. صفحه عليه ‏السلام وعفوه

 

عن الإمام السجّاد عليه ‏السلام قال: سمعت الحسين عليه ‏السلام يقول: لو شتمني رجل فى هذه الاُذن - و أومى إلى اليمنى - واعتذر لي في الاُخرى لقبلتُ ذلك منه؛ و ذلك أنّ أمير المؤنين عليّ بن أبي طالب عليه ‏السلام حدّثني أنّه سمع جَدّي رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله‏وسلم يقول: لايرد الحوض من لم يقبل العُذر من مُحقٍّ أو مُبطل[31].

  1. تواضعه عليه ‏السلام

مرّ عليه ‏السلام بمساكين و هم يأكلون كسراً لهم على كساء، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم و قال: لولا أنّه صدقة لأكلت معكم. ثمّ قال: قوموا إلى منزلي. فأطعمهم و كساهم و أمر لهم بدراهم[32].

شهادته عليه ‏السلام

مرّ على الحسين عشرون عاماً مدّة خلافة معاوية ما ذاق فيها طعم الخضوع و الاستكانة، حتى إذا هلك معاوية و امتنع عليه ‏السلام عن البيعة ليزيد نهض بنهضته المُباركة إنكاراً على يزيد، و إبطالاً لمساعيه، و إحياءً للدين، فثلَّ ذلك العرش، و هدَّم ذلك البنيان الذي بناه معاوية في عشرين سنة، وهدمه في بضعة أيّام.

كلّ ذلك بفضل السياسة الحسينية، و أسرار الشهادة التي كانت في سبيل اللّه‏، و سبيل المحافظة على شرف الدين.

 

فكان استشهاده على أرض الطفّ يوم الاثنين، العاشر من المحرّم، سنة إحدى و ستّين من الهجرة[33].

 

[1] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 3/4.

[2] ـ راجع عيون أخبار الرضا عليه‏السلام: 2 / 25 ح 5، روضة الواعظين: 154، أمالي الطوسي: 1 / 377، المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 76، إعلام الورى: 217.

[3] ـ مسند أحمد: 4/172. سنن الترمذي: 5/658 رقم 3775، سنن ابن ماجة: 1/51 رقم 144.

[4] ـ ذخائر العقبى: 143، المعجم الكبير: 3/116 رقم 2847.

[5] ـ مسند أبي يعلى، 4/161 رقم 5014، مسند البزّار البحر الزخّار: 5/226 رقم 1834.

[6] ـ مسند أبي يعلى: 2/141 رقم 1875، عنه مجمع الزوائد: 9/187.

[7] ـ مسند أحمد: 1/85، مسند أبي يعلى: 1/129 رقم 363، المعجم الكبير للطبراني: 3/105 رقم 2811.

[8] ـ سنن الترمذي: 5/656 رقم3768، سنن ابن ماجة: 1/44 رقم118، مسند أحمد: 3/62.

[9] ـ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14/136.

[10] ـ البقرة: 124.

[11] ـ كمال الدين: 358 ح 57 .

[12] ـ البقرة: 136.

[13] ـ الكافي: 1/415 ح19.

[14] ـ آل عمران: 61.

[15] ـ صحيح مسلم: 7 / 121.

[16] ـ النساء: 59 .

[17] ـ كمال الدين: 253 ح3.

[18] ـ النساء: 69.

[19] ـ كفاية الأثر: 183.

[20] ـ الأخلاق الحسينية لجعفر البياتي: 328 نقلاً عن تاريخ الحسين عليه‏السلام لعبداللّه‏ العلايلي: 226.

[21] ـ الأخلاق الحسينية لجعفر البياني نقلاً عن كتاب أبوالشهداء الحسين بن عليّ: 230.

[22] ـ المصدر السابق نقلاً عن الشهيد الخالد الحسين بن عليّ: 47.

[23] ـ المصدرالسابق نقلاً عن كتاب سبطا رسول اللّه‏: 188.

[24] ـ المصدرالسابق نقلاً عن كتاب آل محمّد في كربلاء: 30.

[25] ـ الاحتجاج: 299.

[26] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 400.

[27] ـ المصدرالسابق: 3/401.

[28] ـ مقاتل الطالبيّين: 14.

[29] ـ جامع الأخبار: 166 ح397.

[30] ـ إحقاق الحقّ: 19 / 429.

[31] ـ نظم درر السمطين: 209.

[32] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 66.

[33] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 3/5.

الإمام الحسن المجتبى عليه‏ السلام

اسمه ونسبه عليه‏ السلام:

هو الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف.

كنـيته: أبو محمّد.

ألقابه: الزكيّ، المجتبى، سيّد شباب أهل الجنّة، السبط الأوّل، التقيّ، الزاهد، البرّ، الطيّب...

أُمّه: فاطمة بنت رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله[1].

ولادتـه عليه‏ السلام:

ولد بالمدينة المنوّرة ليلة النصف ـ أو يوم النصف ـ من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث من الهجرة[2].

عن عليّرضى‏ الله‏ عنه ـ حول ولادة الحسنعليه‏ السلام بعد أن لفّته أسماء بخرقة بيضاء فأعطته رسول اللّه‏صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله ـ قال: فأخذه وأذّن في اُذنه اليُمنى وأقام في اليسرى. ثمّ قال لعليّ: أيّ شيءٍ سمّيت ابني؟ قال: ما كنت لأسبقك بذلك. فقال: ولا أنا اُسابق ربّي. فهبط جبريلعليه‏ السلام فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك: عليّ منك بمنزلة هارون من موسى، لكن لانبيّ بعدك،
فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون. فقال: وما كان اسم ابن هارون يا جبريل؟ قال: شبر. فقال صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله: إنّ لساني عربي، فقال: سمّه الحسن، ففعل[3] صلي الله عليه و سلم.

وعن أسماء بنت عميس أنّ رسول اللّه‏ صلي الله عليه و سلم عقّ عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين وحلق رأسه وتصدّق بزنة الشعر، ثمّ طلى رأسه بيده المباركة بالخلوق[4].

منزلته عند رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله:

عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول اللّه‏ صلي الله عليه و سلم والحسن بن عليّ على عاتقه يقول: اللّهمّ إنّي أُحبّه فأحِبَّه[5].

وعن ابن عبّاس قال: كان رسول اللّه‏ صلي الله عليه و سلم حامل الحسن بن عليّ على عاتقه، فقال رجل: نِعم المركب ركبت يا غُلام. فقال النبيّ صلي الله عليه و سلم: ونِعم الراكبُ هو[6].

وعن أبي بكرة قال: كان النبيّصلي الله عليه و سلم يُصلّي بنا، فيجيء الحسن ـ وهو ساجد ـ صبيّ صغير، حتّى يصير على ظهره أو رقبته، فيرفعه رفعاً رفيقاً؛ فلمّا صلّى صلاته قالوا: يا رسول اللّه‏، إنّك لتصنع بهذا الصبيّ شيئاً لاتصنعه بأحد! فقال: إنّ هذا ريحانتي، وإنّ ابني هذا سيّد[7]...

 

وعن أبي هُريرة: أنّ النبيّ صلي الله عليه و سلم قال للحسن: اللّهمّ إني اُحِبُّهُ، فأحِبَّهُ وأحبَّ مَن يُحِبُّهُ. قال: وضمّه إلى صدره[8].

وعن النبيّ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله قال: مَن سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة فلينظر إلى الحسن بن عليّ[9].

شخصيته عليه‏ السلام:

روي أنّ عبداللّه‏ بن الزبير كان يقول: واللّه‏ِ ما قامت النساء عن مثل الحسن  بن عليّ[10].

وعن مساور قال: رأيت أباهُريرة قائماً على مسجد رسول اللّه‏ يوم مات الحسن بن عليّ وهو ينادي بأعلى صوته: يا أيّها الناس، مات اليوم حبّ رسول اللّه‏ فابكوا[11].

وقال معاوية يوماً لجُلسائه: مَن أكرم الناس أباً واُمّاً وَجَدَّاً وجَدّة وعمّاً وعمّةً وخالاً وخالةً؟ فقالوا: أميرالمؤنين أعلم.

فأخذ بيد الحسن بن عليّ وقال: هذا، أبوه عليّ بن أبي طالب، واُمّه فاطمة بنت محمّد، وجدّه رسول اللّه‏ صلي الله عليه و سلم وجدّته خديجة، وعمّه جعفر، وعمّته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن محمّد، وخالته زينب
بنت محمّد[12] صلي الله عليه و سلم.

وعن معاوية قال: رأيت رسول اللّه‏ صلي الله عليه و سلم يمصّ لسانه، أو قال: شفته ـ  يعني الحسن بن عليّ صلوات اللّه‏ عليه ـ وإنّه لن يعذَّب لسانٌ أو شفتان مصّهما رسول اللّه‏[13] صلي الله عليه و سلم.

وقال الذهبي: الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف، الإمام السيّد، ريحانة رسول اللّه‏ صلي الله عليه و سلم وسبطه، سيّد شباب أهل الجنّة...  وقد كان هذا الإمام سيّداً، وسيماً، جميلاً، عاقلاً، رزيناً، جواداً، ممدحاً، خيِّراً، ديِّناً، ورعاً، محتشماً، كبير الشأن[14].

وقال محمّد بن إسحاق في كتابه: ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول اللّه‏ ما بلغ الحسن، كان يُبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما مرّ أحدٌ من خلق اللّه‏ إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق اللّه‏ أحدٌ رآه إلاّ نزل ومشى، حتى رأيت سعد بن أبي وقّاص يمشي[15].

وقال الشيخ كمال‏الدين محمّد بن طلحة الشافعي في الفصل الذي وضعه لما ورد في حقّه من رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله: هذا فصل أصله مقصود، وفضله معقود، ونقله مشهود، وظلّه ممدود، وورده مورود، وسدره مخضود، وطلحه منضود، وهو من أسنى السجايا والمدائح معدود، فإنّه
جمع من أشتات الإشارات النبويّة، والأفعال والأقوال الطاهرة الزكيّة، ما  أشرقت به أنوار المناقب، وسمقت بالحسن عليه‏ السلام إلى أشرف شرف المراتب، وأحدقت مزايا المآثر به من جميع الجوانب، فإنّ مَن امتطى مطا رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله رقى قدم شرفه مناكب الكواكب، فبخٍ بخٍ لمن خصّه اللّه‏ تعالى من رسوله المصطفى بهذه المواهب[16].

وقال أبونعيم الإصبهاني: سيّد الشباب، والمُصلح بين الأقارب والأحباب، شبيه رسول اللّه‏ صلي الله عليه و سلم وحبيبه، سليل الهُدى، وحليف أهل التُقى، خامس أهل الكساء، وابن سيّدة النساء، الحسن بن عليّ أبي طالب رضي اللّه‏ عنهما[17].

وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي: أنّ الحسن كان أشبه الناس برسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏ آله خلقاً وخُلُقاً[18]، وأنه أصبح الناس وجهاً[19]، وأ نّه أوسع الناس صدراً، وأسجحهم خلقاً[20]، ولايستطيع أحدٌ أن يحكي عنه لفظاً فاحشاً، ولا كلمة ساقطة[21].

 

كرمه وجوده عليه‏ السلام :

كان الحسن عليه‏ السلام يتصدّق بالسُكّر، فقيل له في ذلك، فقال: إنّي اُحبُّه وقد قال اللّه‏ تعالى: «لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ».[22]

وعن شهاب بن عامر أنّ الحسن بن عليّ قاسَمَ اللّه‏َ عزّ و جلّ مالَه مرّتين حتّى تصدّق بفرد نعله[23].

صفته عليه‏ السلام:

روي أنّ الحسن كان أبيض مُشرَباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدّين، دقيق المسربة، كثّ اللحية، ذا وفرة، كأنّ عنقه إبريق فضّة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولابالقصير، من أحسن الناس وجهاً... جعد الشعر، حسن البدن[24].

استشهاده عليه‏ السلام:

ومضى مسموماً إلى رحمة اللّه‏ لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة[25].


 

[1] و2ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 1/ ص297 ـ 298.

[2]

[3] ـ ذخائر العقبى: 120.

[4] ـ انظر المصدر السابق: 119.

[5] و 4 ـ جامع الأُصول: 10/19 رقم 6540 و6541.

[6]

[7] ـ حلية الأولياء: 2/44 رقم 1424.

[8] ـ سنن ابن ماجة: 1/51 رقم142.

[9] ـ البداية والنهاية: 8/39.

[10] ـ المصدر السابق: 8/41.

[11] ـ المصدر السابق: 8/48.

[12] ـ العقد الفريد: 5/85.

[13] ـ مسند أحمد: 4 / 93.

[14] ـ سير أعلام النبلاء: 3 / 245 و253.

[15] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 7.

[16] ـ مطالب السؤل: 2/11.

[17] ـ تاريخ إصبهان: 1/69.

[18] ـ شرح نهج البلاغة: 15/280.

[19] ـ المصدر السابق: 15/277.

[20] ـ المصدر السابق: 16/21.

[21] ـ المصدر السابق: 15/271.

[22] ـ عوالي اللآلي: 2 / 74 ح 196 والآية 92 من سورة آل عمران.

[23] ـ حلية الأولياء: 2/46 ح1433، عنه كشف الغمّة: 2/193.

[24] ـ ذخائر العقبي: 127 ـ 128. وانظر بحار الأنوار: 44 / 136 ضمن رقم 4.

[25] ـ انظر مقاتل الطالبيّين: 73، شرح ابن أبي الحديد: 16/49، الإرشاد: 2/16. و موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 1/299.

الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) 

اسمه ونسبه عليه‏ السلام

هو الإمام عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيّ بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي.

كناه:

أبوالحسن، أبوالحسين، أبو تراب، أبو الريحانتين، أبو السبطين[1].

ألقابه:

أميرالمؤمنين،يعسوب الدين والمسلمين، مُبير الشرك والمشركين، قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، مولى المؤمنين، المرتضى، نفس الرسول، أخو الرسول، زوج البتول، سيف اللّه‏ المسلول، أمير البررة، قاتل الفجرة، قسيم الجنّة والنّار، صاحب اللواء، سيد العرب، خاصف النعل، كشّاف الكرب، الصدّيق الأكبر، ذوالقرنين، الهادي، الفاروق، الداعي، الشاهد، باب مدينة العلم، الوالي، الوصيّ، النبأ العظيم، و...

وذكر ابن شهرآشوب نقلاً عن صاحب كتاب الأنوار أنّ لأميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليه‏ السلام في كتاب اللّه‏ تعالى ثلاثمائة اسم، فأمّا في الأخبار فاللّه‏ أعلم بذلك.

اللّه‏ سمّاه أسماءً تردّد في

 القرآن تقرأها في مُحكم السوَرِ

 

في الحجر والنمل والأنفال قبلهما

 والصافّات وفي صاد وفي الزُمَرِ

 

وقيل سمّاه في التوراة ثمّة في

 الإنجيل يعرفه التالون في الزُبرِ

 

واختاره وارتضاه للنبيِّ أخاً

 وللبتولة بعلاً خيرةَ الخِيَرِ[2]

والده:

شيخ الأبطح ناصرالدّين سيّدنا أبوطالب ابن غيث الورى وساقي الحجيج شيبة الحمد أبي السادة عبدالمطّلب.

روي عن فاطمة بنت أسد أنّه لمّا ظهرت أمارة وفاة عبدالمطّلب قال لأولاده: مَن يكفل محمّداً؟

قالوا: هو أكيس منّا، فقل له يختار لنفسه.

فقال عبدالمطّلب: يا محمّد، جدّك على جناح السفر إلى القيامة، أيّ عمومتك وعمّاتك تُريد أن يكفلك؟ فنظر في وجوههم ثمّ زحف إلى عند أبيطالب[3].

وقال النبيّ الأعظم صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله: إنّي مستوهبٌ من ربّي أربعة، وهو واهبهم لي إن شاء اللّه‏ تعالى: آمنة بنت وهب، وعبداللّه‏ بن عبدالمطّلب، وأبوطالب بن عبد المطّلب، ورجلٌ من الأنصار...[4].

ولقد هام أبوطالب في ولائه للنبيّ وأعلن حمايته للإسلام ووقف
سدّاً منيعاً تجاه الكفر والجاهلية، فاسمعه يقول:

واللّه‏ِ لن يصِلوا إليكَ بجمعهم

 حتّى اُوَسَّدَ في الترابِ دفينا

 

فاصدعْ بأمركَ ما عليكَ‏غضاضَةٌ

 وأبشر بذاكَ وقُرَّ منكَ عيونا

 

ودعوتني وعلمتُ أنَّكَ ناصحي

 ولقد صدقتَ وكنتَ ثَمَّ أمينا

 

ولقد علمتُ بأنَّ دينَ محمّدٍ

 من خيرِ أديانِ البرية دينا[5]

 

أُمّه:

فاطمة بنت أسد من سيّدات عصرها في كلّ فضيلة ومكرمة، وهي من السابقات في الإيمان باللّه‏ ورسوله صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله، فقد أسلمت بعد عشرة أشخاص وكانت الحادية عشرة، وكان رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله يُكرمها ويُعظّمها ويدعوها «اُمّي» وأوصت إليه حين حضرتها الوفاة، فقبِل وصيّتها، وصلّى عليها، ونزل في لحدها، واضطجع فيه بعد أن ألبسها قميصه، فقال له أصحابه: إنّا ما رأيناك صنعت يا رسول اللّه‏ بأحدٍ ما صنعت بها.

فقال: إنّه لم يكن أحدٌ بعد أبيطالب أبرَّ بي منها، إنّما ألبستُها قميصي لتُكسى من حُلل الجنّة، واضطجعتُ معها ليهونَ عليها ضغطة القبر[6].

ولادته عليه‏ السلام

ولد  عليه‏ السلام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، قبل الهجرة الشريفة بثلاث وعشرين سنة بمكّة المُكرّمة في البيت الحرام وفي جوف الكعبة المقدّسة . وهي فضيلة اختصّه اللّه‏ بها، إذ لم يُولد فيه قبله ولا بعده أحدٌ سواه[7].

وصـفه عليه‏ السلام

قال النبيّ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله: منْ أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى عليّ بن أبيطالب[8].

وفي رواية اُخرى عنه صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله: مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوحٍ في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبيطالب[9].

سبقه للإسلام

لقد اتّفق الرواة والمؤرّخون على أنّ الإمام أميرالمؤمنين عليه‏ السلام كان له السبق في اعتناق الإسلام.

فعن النبيّ الأكرم صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله مُخاطباً ابنته الزهراء عليهاالسلام: أنّي زوّجتكِ أقدم
اُمّتي سِلماً[10].

وعنه صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله: يا عليّ... أنت أوّلهم إيماناً باللّه‏[11].

وعن عمر قال: كنت أنا وأبو عبيدة وأبوبكر وجماعة من أصحابه إذ ضرب رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله منكب عليّ فقال: يا عليّ، أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّل المسلمين إسلاماً[12].

قال ابن إسحاق: كان أوّل من اتّبع رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله وآمن به من أصحابه عليّ بن أبيطالب وهو ابن تسع سنين... وعن معاذة بنت عبداللّه‏ العدوية، قالت: سمعت عليّ بن أبيطالب على منبر رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آلهيقول: أنا الصدِّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبوبكر، وأسلمت قبل أن يسلم أبوبكر[13].

بعض الآيات النازلة في حقّه عليه‏ السلام

1ـ قوله تبارك تعالى: «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ»[14].

عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية وضع النبيّ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله يده على صدره وقال: أنا المُنذر ولكلِّ قومٍ هادٍ، وأومأ إلى منكب عليّ فقال: أنت
الهادي، بك يهتدي المهتدون بعدي[15].

2ـ قوله جلّ شأنه: «وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ»[16].

قرأ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله «وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» ثمّ التفت إلى عليّ فقال: سألت اللّه‏ أن يجعلها اُذُنك. قال عليّ عليه‏ السلام: فما سمعت شيئاً من رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله فنسيته[17].

3 ـ قوله عزّ وجلّ: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ»[18].

كانت عند الإمام عليه‏ السلام أربعة دراهم، فأنفق في اللّيل درهماً، وفي النهار درهماً، وفي السرِّ درهماً، وفي العلانية درهماً، فقال رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله: ما حملك على هذا؟ فقال: أن أستوجب على اللّه‏ ما وعدني. فنزلت فيه هذه الآية[19].

4 ـ قوله عزّ من قائل: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»[20].

عن جابر قال: كنّا عند النبيّ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله فأقبل عليّ عليه‏ السلام فقال النبيّ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله: والّذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعتَهُ هم الفائزون يوم القيامة. ونزلت فيه الآية الكريمة. فكان أصحاب النبيّ إذا أقبل عليٌّ قالوا: جاء خير البريّة[21].

5 ـ قوله تعالى: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»[22] عن جابر الجعفي قال: لمّا نزلت هذه الآية قال عليّ عليه‏ السلام: نحنُ أهل الذِّكر[23].

6ـ قوله سبحانه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ»[24].

أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله «وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ»قال: مع عليّ بن أبيطالب[25].

7ـ قوله عزّ وعلا: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ»[26].

عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن ربِّك»يوم غدير خمّ في عليّ بن أبيطالب عليه‏ السلام.[27]

هذه بعض الآيات النازلة في حقّه عليه‏ السلام خاصّة، وأمّا الآيات النازلة في حقّ أهل البيت عليهم‏السلام الشاملة له عليه‏ السلام أيضا فهي كثيرة جدّاً وهذه بعضها:

1ـ قوله تعالى: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى»[28].

2ـ قوله عزّ وجلّ: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَك مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ...»[29].

3ـ سورة «هَلْ أَتى عَلَى الاْءِنْسانِ».

4ـ قوله سبحانه وتعالى: «إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»[30].

بعض ما قيل فيه عليه‏ السلام

ـ عن عمر: عجزت النساء أن تَلِدْنَ مثل عليّ بن أبيطالب، لولا عليّ لهلك عمر[31].

ـ وعنه أيضاً: أعوذ باللّه‏ أن أعيش في يومٍ لست فيه يا أبا الحسن[32].

ـ عن عائشة قالت: رأيت أبابكر يُكثر النظر إلى وجه عليّ. فقلت:
يا أبه، رأيتك تُكثر النظر إلى وجه عليّ! فقال: سمعت رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آلهيقول: النظر إلى وجه عليّ عبادة[33].

ـ عن الشعبي قال: نظر أبوبكر إلى عليّ بن أبيطالب عليه‏ السلام مُقبلاً فقال: من سرَّه أن ينظر إلى أقرب النّاس قرابةً من نبيِّهم صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آلهوأجوده منه منزلة وأعظمهم عند اللّه‏ عناء وأعظمهم عليه فلينظر إلى عليّ[34].

ـ عن عروة: أنّ رجلاً وقع في عليّ بمحضرٍ من عمر، فقال عمر: تعرف صاحب هذا القبر محمّد بن عبداللّه‏ بن عبدالمطّلب، وعليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب، لا تذكر عليّاً إلاّ بخير، فإنّك إن آذيته آذيت هذا في قبره[35].

ـ عن معقل بن يسار قال: سمعت أبابكر يقول: عليّ بن أبيطالب عترة رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله[36].

ـ قال عمر: لقد اُعطي عليّ بن أبيطالب ثلاث خصال، لأن تكون فيَّ خصلةٌ منها أحبّ إليَّ من أن اُعطى حُمر النَعم[37].

قيل: وما هي يا أميرالمؤمنين. قال: تزوّج فاطمة بنت رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله،
وسُكناه المسجد مع رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله يحلّ له فيه، والراية يوم خيبر[38].

وروي عن ابن عمر مثله أيضاً[39].

ـ قال جابر بن عبداللّه‏ الأنصاري: دخلت على عائشة يوماً وقُلت لها: ما تقولين في عليّ بن أبيطالب؟ فأطرقت رأسها ثمّ رفعته وقالت:

إذا ما التِّبْرُ حُكَّ على مَحكِّ

 تبيّن غشّهُ من غيرِ شكِّ

 

وفينا الغشُّ والذهبُ المُصَفّى

 عليٌّ بيننا شِبهُ المحكِّ[40]

 

ـ عن مجمع قال: سألتُ عائشة عن عليّ فقالت: سألتَ عن أحبّ النّاس إلى رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله[41].

إيمانه عليه‏ السلام ويقينه وتقواه

عنه عليه‏ السلام: لو كُشف الغِطاء ما ازددتُ يقيناً[42].

وعنه عليه‏ السلام: إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك، ولا طمعاً في ثوابك، ولكن وجدتُك أهلاً للعبادة فعبدتك[43].

وعنه عليه‏ السلام: واللّه‏ لو اُعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه‏ في نملةٍ أسلبها جلب شعيرة ما فعلت[44].

 

زهــده عليه‏ السلام

روى عمرو بن قيس قال: رُئي على عليّ إزار مرقوع، فقيل له فقال: يقتدي به المؤمن ويخشع به القلب[45].

وقال عمر بن عبدالعزيز: أزهد النّاس في الدنيا عليّ بن أبي طالب[46].

وقال عليه‏ السلام: إنّ اللّه‏ فرض على أئمّة العدل أن يُقدِّروا أنفسهم بضعفة النّاس[47].

بطولته عليه‏ السلام وقوّته

قال عليه‏ السلام: فواللّه‏ِ ما اُبالي أَ سَقطتُ على الموت أم سقط عليَّ[48].

وعن النبيّ صلى ‏الله‏ عليه‏ و ‏آله: لمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل أُمّتي إلى يوم القيامة[49].

وهو الّذي قلع باب خيبر وجعله جسراً على الخندق، فعبر عليه الجيش الإسلامي[50].

تواضعـه عليه‏ السلام

خرج يوماً راكباً فتبعه أصحابه، فالتفت إليهم وقال: ألكم حاجة؟
فقالوا: لا، ولكن نحبّ أن نمشي معك. فقال عليه‏ السلام: انصرفوا، فإنّ خفق النعال خلفَ أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النَّوْكى[51].

وكان يقول عليه‏ السلام لمن أطراه: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك[52].

جـوده عليه‏ السلام

هو الّذي تصدَّق بخاتمه على المسكين في صلاته فأنزل اللّه‏ تعالى في حقّه «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ»[53].

عدلـه عليه‏ السلام

نزل ضيفٌ عند الإمام الحسن عليه‏ السلام فاستقرض الحسن عليه‏ السلام رطلاً من العسل من قنبر خازن بيت المال، فلمّا قام أميرالمؤمنين عليه‏ السلام بتقسيم العسل على المسلمين وجد زقّاً منها ناقصاً، فسأل قنبر عن ذلك فأخبره بالأمر. فاستدعى ولده الحسن وقال له: ما حملك على أن تأخذ منه قبل القسمة؟

فأجابه: أليس لنا فيه حقّ، فإذا أخذناه رددناه إليه.

فقال: فِداك أبوك، وإن كان لك فيه حقّ فليس لك أن تنتفع بحقِّك
قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم.

ثمّ دفع إلى قنبر درهماً وقال له: اشترِ به أجود عسلٍ تقدر عليه. فاشترى قنبر العسل ووضعه الإمام في الزِّق وشدّه[54].

شهادته عليه‏ السلام

أحلَّت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، وأمير المؤمنين عليه‏ السلام يقول: ما كَذبتُ ولا كُذبتُ إنَّها الليلة التي وُعدتُ بها. ويقول: اللّهمَّ بارك لنا في لقائك... اللّهمَّ بارك لي في الموت[55].

ففي هذه الليلة وفي مسجد الكوفة عند صلاة الصبح هوى عليه الرجس الخبيث ابن مُلجم بالسيف على رأسه الشريف، فانتهت الضربة الغادرة إلى دماغه المقدَّس وهو يقول: فزتُ وربِّ الكعبة. ومضى عليه‏ السلامإلى جنّة المأوى في ليلة الحادي والعشرين من ذلك الشهر.

 

[1] ـ راجع موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏السلام: 2/3.              

[2] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 3/275.

[3] ـ البحار: 35/83 ح 26.

[4] ـ قرب الإسناد: 27 الطبعة الحجرية وص 56 ح 183 (طبعة مؤسّسة آل البيت عليهم‏السلام)وقد سقط منها الثالث وهو «أبوطالب» عنه البحار: 15/108 ح 51 .

[5] ـ أسنى المطالب في نجاة أبيطالب لزيني دحلان: 25، البداية والنهاية: 3/56.

[6] ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/14.

[7] ـ يقول الحاكم النيسابوري: قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب كرّم اللّه‏ وجهه في جوف الكعبة. المستدرك على الصحيحين: 3/550 ذيل ح 6044. وانظر موسوعة زيارات المعصومين  عليهماالسلام: 2/4.

[8] ـ ذخائر العقبى: 94.

[9] ـ المصدر السابق: 93.

[10] ـ مسند أحمد: 5/26، المعجم الكبير للطبراني: 20/229 رقم 538، عنهما مجمع الزوائد: 9/123 رقم 14595.                                       

[11] ـ حلية الأولياء: 1/106 رقم 203.

[12] ـ الرياض النضرة: 3/109.

[13] ـ المعارف لابن قتيبة: 98 ـ 99.

[14] ـ الرعد: 7.

[15] ـ تفسير الطبري جامع البيان: 13/72.

[16] ـ الحاقّة: 12.

[17] ـ تفسير الطبري: 29/35.

[18] ـ البقرة: 274.

[19] ـ انظر أسباب النزول للواحدي: 49 .

[20] ـ البيّنة: 7.

[21] ـ الدرّ المنثور للسيوطي: 6/643.

[22] ـ النحل: 43.

[23] ـ ينابيع المودّة: 119.

[24] ـ التوبة: 119.

[25] ـ الدرّ المنثور للسيوطي: 3/517 .

[26] ـ المائدة: 67.

[27] ـ أسباب النزول للواحدي: 112.

[28] ـ الشورى: 23.

[29] ـ آل عمران: 61.

[30] ـ الأحزاب: 33.

[31] ـ المناقب للخوارزمي: 81 ح 65.

[32] ـ ذخائر العقبى: 82 .

[33] ـ الرياض النضرة: 3/196 ـ 197.

[34] ـ المناقب للخوارزمي: 161 ح 193.

[35] ـ منتخب كنز العمال: 5/46 عن تاريخ ابن عساكر: 42/519 .

[36] ـ منتخب كنز العمال: 5/43.

[37] ـ حُمْر النَّعَم: الإبل الحُمر، وهي أنفس أموال النَّعم وأقواها وأجلدها، فجعلت كناية عن خير الدنيا كلّه. «مجمع البحرين: 1/572».

[38] ـ المصدر السابق: 5/39.

[39] ـ انظر الرياض النضرة: 3/158.

[40] ـ نور الأبصار للشبلنجي: 288 ـ 289.

[41] ـ الرياض النضرة: 3/116.

[42] ـ المناقب للخوارزمي: 375.

[43] ـ بحار الأنوار: 41/14 ح 4.

[44] ـ نهج البلاغة شرح محمّد عبده: 2/218.

[45] ـ كنز العمّال: 13/181 ح 36542.

[46] ـ تاريخ مدينة دمشق: 42/489.

[47] ـ نهج البلاغة شرح محمّد عبده: 2/188.

[48] ـ العقد الفريد: 1/122.

[49] ـ مناقب ابن شهرآشوب: 3/138 نقلاً عن الواقدي والخطيب الخوارزمي، عنه البحار: 41/91.

[50] ـ راجع كشف الغمّة: 1/215.

[51] ـ المحاسن: 629 ح 104. والنوكى: الحمقى.

[52] ـ نهج البلاغة شرح محمّد عبده: 4/19 رقم 83.

[53] ـ راجع مجمع البيان وغيره من التفاسير حول الآية 55 من سورة المائدة.

[54] ـ راجع المناقب لابن شهرآشوب: 2/107. والزِّق: كلّ وعاءٍ اتخذ لشرابٍ ونحوه. «لسان العرب: 10/143».

[55] ـ بحارالأنوار: 42/277.

النبيّ الأعظم صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله

اسمه ونسبه صلى‏ الله‏ عليه‏ و ‏آله :

لقد تفرّع سيّد الأنبياء من اُصول كريمة شريفة، ومن أعفّ البيوت وأشرف الكمال والجلال.

فهو محمّد بن عبداللّه‏ بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبدمناف بن قُصيّ  بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فِهر بن مالك بن النضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نِزار  بن  مَعد  بن عدنان.

قال الماوردي: وإذا اختبرت حال نسبه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله وعرفت طهارة مولده علمت أنّه من سلالة آباءٍ كرام ليس فيهم مُسترذل، بل كلّهم سادة قادة، وشرف النسب وطهارة المولد من شروط النبوّة[1].

وكناه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: أبو القاسم، أبو الطاهر، أبو الريحانتين، أبو السبطين.

وألقابه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: المصطفى، المنتجب، البشير، النذير، حبيب اللّه‏، سيّد المرسلين، خاتم النبيّين، قائد الغرّ المحجّلين،... .

وأُمّه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله : آمنة بنت وهب بن عبدمناف بن زهرة بن كلاب... ، وهي
أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً [2].

مولده الميمون:

ولد صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله بمكّة في عام الفيل يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل ـ على المشهور عندنا ـ .

عن حسّان بن ثابت قال: سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطَمَة[3] يثرب: يا معشر يهود. حتّى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟! قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي وُلد به[4].

وصحبت ولادة النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله بعض الخوارق والمعجزات منها: سقوط شرفات إيوان كسرى، وخمود نار فارس التي كان لها ألف عام على اتّقادها، وغيض بُحيرة طبرية[5].

زواجـه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله:

تزوّج وهو ابن خمس وعشرين سنة بخديجة بنت خويلد وكانت امرأة حازمة جلدة شريفة، آمنت برسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله و‏آلهأوّل بعثته وأعانته بأموالها على تبليغ رسالته، وكانت تُدعى في الجاهلية بـ «الطاهرة» ويُقال لها «سيّدة قريش».

 

وقال ابن شهرآشوب: روى أحمد البلاذري وأبوالقاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبوجعفر في لتلخيص: أنّ النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله تزوّج بها وكانت عذراء[6].

صفتـه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله:

كان رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله فخماً مفخماً، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر... ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر... ليس بالقصير ولا الطويل... سبط الشعر أسوده، كثّ اللحية... كأنّ عنقه إبريق فضّة...[7]  .

بعثته صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله:

بُعث رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله بالنبوّة في السابع والعشرين من شهر رجب يوم الاثنين وله أربعون سنة.

هجرته صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله:

بعد أن جنّدت كفّار قريش كلّ طاقاتها للصدّ عن سبيل اللّه‏، ورصد تحرّكات النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله وملاحقته، وتعذيب كلّ مَن يدخل الدين الجديد، وبعد الحصار الاقتصادي والاجتماعي ضدّ الهاشميّين وأبي طالب في الشِعب ـ الذي عُرف بشِعب أبي طالب ـ أمر النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله المسلمين بالهجرة
إلى المدينة.

وتعتبر الهجرة النبوية الشريفة من أعظم الأحداث وأكثرها أهمّيةً في تاريخ الإسلام، فقد كانت بدايةً لإقامة الدولة الإسلامية المباركة وانتشار الإسلام الحنيف.

قال أميرالمؤمنين عليه‏ السلام : دعاني رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله فقال: إنّ قُريشاً دبّرت كيت و كيت في قتلي، فَنَمْ على فراشي حتى أخرج أنا من مكّة، فقد أمرني اللّه‏ تعالى بذلك[8]. وذلك في قوله تعالى «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّه‏ُ وَاللّه‏ُ خَيْرُ الْمَـكِرِينَ»[9].

فرَقد أميرالمؤمنين عليه‏ السلام على فراش النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله واشتمل ببردته، وأخذ يبكي جزعاً لفراق رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله، فنزل قوله عزّوجلّ في عليّ عليه ‏السلام «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللّه‏ِ وَاللّه‏ُ رَءُوفُم بِالْعِبَادِ»[10].

هذا، وقد جعل المسلمون هجرة النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله بدءا للتاريخ الإسلامي.

حجّة الوداع وحديث الغدير:

كانت حجّة الوداع سنة عشر من الهجرة، وسمّيت بذلك لأنّه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله لم يحجّ بعدها، وقيل: لأنّه ودّع فيها النّاس وأعلمهم بدنوّ أجله.

 

ثمّ إنّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله لمّا قضى مناسكه قفل راجعاً إلى المدينة، فوصل إلى الموضع المعروف بغدير خمّ يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، فنزل به ونزل المسلمون معه، وكان سبب نزوله في ذلك المكان نزول القرآن عليه بنصبه أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليه‏ السلام خليفةً له في الاُمّة من بعده. فأنزل اللّه‏ تعالى عليه «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»يعني في استخلاف عليّ والنصّ بالإمامة عليه «وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللّه‏ُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ»[11] فأكّد الفرض عليه بذلك، وخوّفه من تأخير الأمر فيه، وضَمِن له العصمة ومَنْع النّاس منه...

ثمَّ خطب صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله النّاس فقال في جملة منها: ... إنّي مُخلِّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي، كتاب اللّه‏ وعترتي أهل بيت، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض.

ثمّ نادى بأعلى صوته: ألستُ أولى بِكُم منكم بأنفسكم؟

قالوا: اللّهمّ بلى.

فقال ـ وقد أخذ بضبعَي[12] أميرالمؤمنين عليه ‏السلام فرفعهما حتّى بان بياض أبطيهما ـ : فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله.

 

وكان ممّن أطنب في تهنئته عمر بن الخطّاب، وقال فيما قال: بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن، أصبحتَ مولايَ ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة[13].

بعض خصائصه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله :

ذكر علماؤنا رضي الله عنهم في كتبهم بعض خصائصه، وجمعها العلاّمة رحمه‏الله في كتابه «تذكرة الفقهاء»، وسنورد هنا بعض ما ذكروه من الواجبات عليه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آلهوكذا المحرّمات:

  1. السواك.
  2. الوتر.
  3. الاُضحية.
  4. قيام الليل.

5 . قضاء دَين من مات معسراً.

  1. مشاورة اُولي النُّهى.
  2. إنكار المُنكر إذا رآه، وإظهاره.
  3. حرمة الزكاة المفروضة عليه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله.
  4. حرمة الصدقة المندوبة عليه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله.
  5. حرمة الخطّ والشعر عليه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله. تأكيداً لحجّته، وبياناً لمعجزته.
  6. كان إذا لبس لأمة الحرب يحرم عليه نزعها حتّى يلقى العدوّ ويقاتل.

 

  1. كان إذا ابتدأ بتطوّع حرم عليه تركه قبل إتمامه.

وكان صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله لايأكل الثوم والبصل والكرّاث، ولا يأكل متّكئاً[14].

قبسٌ من أخلاقه وسيرته صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله:

كان أحكم النّاس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم وأسخاهم، وكان يجلس على الأرض وينام عليها، ويخصف النعل، ويرقّع الثوب، ويحلب الشاة، ويطحن مع الخادم إذا أعيا، ولا يأكل الصدقة، ولا يثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربِّه ولا يغضب لنفسه، يردف خلفه عبده أو غيره، يركب الحمار بلا سرج، ويمشي راجلاً، ويشيّع الجنائز، ويعود المرضى، يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده، وكان أكثر النّاس تبسُّماً، ولا يجزي بالسيّئة السيّئة بل يغفر ويصفح، يبدأ مَن لقيه بالسّلام، وكان لا يقوم ولا يجلس إلاّ على ذِكر اللّه‏.

عن جابر بن عبداللّه‏ قال: كنّا مع رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله بمرّ الظهران يرعى الغنم، وأنّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله قال: عليكم بالأسود منه فإنّه أطيبه.

قالوا: ترعى الغنم؟!

قال: نعم، وهل نبيّ إلاّ رعاها[15].

وعن الصادق عليه‏ السلام قال: كان رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله يأكل أكل العبد، ويجلس جلوس العبد، ويعلم أنّه عبد[16].

 

وعن الباقر عليه‏ السلام قال: كان رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله يأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وكان يأكل على الحضيض[17]، وينام على الحضيض[18].

وعن الصادق عليه‏ السلام قال: مرّت امرأة بدوية برسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله وهو يأكل وهو جالس على الحضيض. فقالت: يا محمّد، واللّه‏ إنّك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه!

فقال لها رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: ويْحَكِ أيّ عبدٍ أعبد منّي[19]؟!

وعن أنس بن مالك قال: لم يكن شخص أحبَّ إليهم من رسول اللّه‏، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته[20].

وعن أميرالمؤمنين عليه‏ السلام قال: إنّ يهودياً كان له على رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آلهدنانير فتقاضاه.

فقال له: يا يهودي، ما عندي ما اُعطيك.

فقال: فإنّي لا اُفارقك يا محمّد حتّى تقضيني. فقال: إذاً أجلس معك. فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة.

وكان أصحاب رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله يتهدّدونه ويتواعدونه.

فنظر رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله إليهم فقال: ما الّذي تصنعونه به؟

فقالوا: يا رسول اللّه‏ يهودي يحبسك؟!

 

فقال صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: لم يبعثني ربّي عزّ وجلّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره.

فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله؛ وشطر مالي في سبيل اللّه‏، أما واللّه‏ِ ما فعلت بك الّذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإنّي قرأت نعتك في التوراة: محمّد بن عبداللّه‏ مولده بمكّة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا سخّابٍ ولا متزيّنٍ[21] بالفحش ولا قول الخناء، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ وأنّك رسول اللّه‏، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل اللّه‏ . وكان اليهودي كثير المال [22].

وعن الباقر عليه‏ السلام قال: قال رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: خمس لست بتاركهنّ حتّى الممات: لباسي الصوف، وركوبي الحمار مؤكفاً[23]، وأكلي مع العبيد، وخصفي النعل بيدي، وتسليمي على الصبيان لتكون سُنّةً من بعدي[24].

وعن ابن عبّاس قال: كان رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير[25].

وعن الإمام الصادق عليه‏ السلام قال: جاء رجل إلى رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله وقد بلي
ثوبه، فحمل إليه اثني عشر درهماً. فقال: يا عليّ خذ هذه الدراهم فاشترِ لي ثوباً ألبسه.

قال عليّ عليه‏ السلام : فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به إلى رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله.

فنظر إليه فقال: يا عليّ، غير هذا أحبّ إليَّ، أترى صاحبه يقيلنا؟

فقلت: لا أدري.

فقال: انظر. فجئت إلى صاحبه فقلت: إنّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله قد كره هذا، يُريد ثوباً دونه فأقلنا فيه. فردّ عليَّ الدراهم وجئت به إلى رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله.

فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً، فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: ما شأنك؟

قالت: يا رسول اللّه‏ إنّ أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة، فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم.

فأعطاها رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله أربعة دراهم، وقال: ارجعي إلى أهلك.

ومضى رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله إلى السوق فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه وحمد اللّه‏، وخرج فرأى رجلاً عرياناً يقول: مَن كساني كساه اللّه‏ من ثياب الجنّة.

فخلع رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله قميصه الذي اشتراه وكساه السائل.

ثمّ رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة الّتي بقيت قميصاً آخر، فلبسه وحمد اللّه‏ ورجع إلى منزله، وإذا الجارية قاعدة على الطريق فقال لها رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: مالكِ لا تأتين أهلك؟!

قالت: يا رسول اللّه‏ إنّي قد أبطأت عليهم وأخاف أن يضربوني.

 

فقال رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: مرّي بين يديّ ودلّيني على أهلك.

فجاء رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله حتّى وقف على باب دارهم ثمّ قال: السّلام عليكم يا أهل الدار. فلم يجيبوه، فأعاد السّلام فلم يجيبوه، فأعاد السّلام فقالوا: عليك السّلام يا رسول اللّه‏ ورحمة اللّه‏ وبركاته.

فقال لهم: مالكم تركتم إجابتي في أوّل السّلام والثاني؟!

قالوا: يا رسول اللّه‏ سمعنا سلامك فأحببنا أن تستكثر منه.

فقال رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: إنّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تُؤاخذوها.

فقالوا: يا رسول اللّه‏ هي حرّة لممشاك.

فقال رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: الحمد للّه‏، ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه، كسا اللّه‏ بها عريانين، وأعتق بها نسمة[26].

وعن الزهري قال: ... لمّا توفّي أبوطالب اشتدّ البلاء على رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آلهأشدّ ما كان، فعمَد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه ـ إلى أن قال: ـ فقعدوا له صفَّين على طريقه. فلمّا مرّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله بين صفَّيهم كان لايرفع رجليه ولا يضعهما إلاّ رضخوهما بالحجارة، وقد كانوا أعدّوها حتّى أدموا رجليه، فخلص منهم ورجلاه تسيلان الدماء، فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظلّ في حَبَلة[27] وهو مكروب موجع.

فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلمّا رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما للّه‏ ولرسوله، ولمّا رأياه أرسلا إليه غلاماً
لهما يُدعى «عداس» وهو نصراني من أهل نينوى، معه عنب.

فلمّا جاءه عداس قال له رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: من أيّ أرضٍ أنت؟

قال: أنا من أهل نينوى.

فقال صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متّى.

فقال له عداس: وما يُدريك مَن يونس بن متّى؟!

فقال له رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله ـ وكان لا يُحقّر أحداً أن يبلّغه رسالة ربّه ... : أنا رسول اللّه‏، واللّه‏ تعالى أخبرني خبر يونس بن متّى.

فلمّا أخبره بما أوحى اللّه‏ إليه من شأن يونس بن متّى خرّ عداس ساجداً للّه‏، وجعل يُقبّل قدميه وهما تسيلان الدماء[28].

وعن أبي ذرّ قال: كان رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله يجلس بين ظهرانَي أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيّهم هو حتّى يسأل[29]...

وعن أنس بن مالك قال: إنّ النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذةً شديدة ـ حتّى نظرت إلى صفحة عنق رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله وقد أثّرت به حاشية الرداء من شدّة جبذته ـ ثمّ قال له: يا محمّد، مُر لي من مال اللّه‏ الّذي عندك، فالتفت إليه رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله فضحك وأمر له بعطاء[30].

وعن جابر قال: كان رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله إذا خرج مشى أصحابه أمامه، وتركوا ظهره للملائكة[31].

 

وروي أنّ رسول اللّه‏ لا يدع أحداً يمشي معه إذا كان راكباً حتّى يحمله معه، فإن أبى قال: تقدّم أمامي وأدركني في المكان الّذي تريد[32].

وكان الجِلف البدوي يرى وجهه الكريم فقال: واللّه‏ ما هذا وجه كذّاب[33].

وكان جميل بن معمر الفهري حفيظاً لما يسمع ويقول: إنّ في جوفي لقلبين، أعقل بكلّ واحدٍ منها أفضل من عقل محمّد. فكانت قريش تسمّيه ذا القلبين.

فتلقّاه أبوسفيان يوم بدر ـ وهو آخذ بيده إحدى نعليه والاُخرى في رجله ـ فقال له: يا بامعمر ما الخبر؟

قال: انهزموا.

قال: فما حال نعليك؟

قال: ما شعرت إلاّ أنها في رجلي لهيبة محمّد[34].

وأمر النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله ببناء المسجد وعمل فيه رسول اللّه‏ بنفسه، فعمل فيه المهاجرون والأنصار، وأخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون فقال بعضهم:

 

لئن قعدنا والنبيّ يعمل

 لذاك منّا العمل المُضلّل

 

والنبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله يقول:

 

 

لا عيش إلاّ عيش الآخره

 اللّهمّ ارحم الأنصار والمهاجره[35]

 

وعن عليّ عليه‏ السلام قال: ما صافح رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله أحداً قطّ فنزع يده من يده حتّى يكون هو الّذي ينزع يده.

وما فاوضه أحدٌ قطّ في حاجة أو حديث فانصرف حتّى يكون الرجل هو الّذي ينصرف.

وما نازعه أحدٌ الحديث فيسكت حتّى يكون هو الّذي يسكت.

ومارُئي مقدِّماً رجله بين يدي جليسٍ له قطّ.

ولا عرض له قطّ أمران إلاّ أخذ بأشدّهما.

وما انتصر نفسه من مظلمة حتّى ينتهك محارم اللّه‏ فيكون حينئذٍ غضبه للّه‏ تبارك وتعالى.

وما أكل مُتّكئاً قطّ حتّى فارق الدنيا.

وما سُئل شيئاً قطّ فقال: لا.

وما ردّ سائلاً حاجة قطّ إلاّ بها أو بميسورٍ من القول.

وكان أخفَّ النّاس صلاةً في تمام...

وكان يُعرف بالريح الطيّب إذا أقبل.

وكان إذا أكل مع القوم كان أوّل من يبدأ، وآخر مَن يرفع يده.

وكان إذا أكل أكل ممّا يليه، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده.

وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس.

وكان يمصّ الماء مصّاً، ولا يعبّه عبّاً.

 

وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه، فكان لا يأخذه إلاّ بيمينه ولا يعطي إلاّ بيمينه، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه.

وكان يحبّ التيمّن في كلّ اُموره، في لبسه وتنعّله وترجّله.

وكان إذا دعا دعا ثلاثاً.

وإذا تكلّم تكلّم وتراً.

وإذا استأذن استأذن ثلاثاً.

وكان كلامه فصلاً يتبيّنه كلّ مَن سمعه.

وإذا تكلّم رُئي كالنور يخرج من بين ثناياه.

وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين، وليس بأفلج.

وكان نظره اللحظ بعينه.

وكان لا يكلّم أحداً بشيء يكرهه.

وكان إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب[36].

وكان يقول: إنّ خياركم أحسنكم أخلاقاً.

وكان لا يذمّ ذواقاً[37] ولا يمدحه.

ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده.

وكان المحدِّث عنه يقول: لم أرَ بعيني مثله قبله ولا بعده صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله[38].

 

من روائع حِكمه صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله:

لا عقل كالتدبير، ولاورع كالكفّ، ولا حسب كحُسن الخُلق[39].

صديقُ كلّ امرئٍ عقله، وعدوّه جهله[40].

طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، ألا إنّ اللّه‏ يُحبّ بُغاة[41] العلم[42].

صِلْ مَن قطعك، وأعطِ مَن حرمك، واعف عمّن ظلمك[43].

مَن أراد أن يكون أعزّ الناس فليتّق اللّه‏ عزّ وجلّ[44].

بادروا بعمل الخير قبل أن تُشغلوا عنه، واحذروا الذنوبَ فإنّ العبد يُذنب الذنب فيُحبس عنه الرزق[45].

لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من كبر[46].

مَن أحبّ أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد اللّه‏ أوثق منه بما في يده[47].

 

بعض معجزاته صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله:

1 ـ القرآن الكريم:

وهو أعظم معجزة خالدة على مرّ العصور، حيث أعجز فُصحاء العرب عن مجاراته والإتيان بمثله.

2 ـ انشقاق القمر:

عن ابن عبّاس: اجتمع المشركون إلى رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله منهم: الوليد بن المغيرة، وأبو جهل، والعاص بن وائل، والعاص بن هشام... ونُظراؤهم، فقالوا للنبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: إن كنت صادقاً فشقّ لنا القمر فرقتين، نصفاً على أبي قُبيس، ونصفاً على قعيقعان. فقال لهم النبىّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله: إن فعلت تُؤمنوا؟ قالوا: نعم.

وكانت ليلة بدر، فسأل اللّه‏ عزّوجلّ أن يُعطيه ما سألوا؛ فأمسى القمر قد سلب نصفاً على أبي قُبيس، ونصفاً على قعيقعان، ورسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آلهيُنادي: يا أبا سلمة بن عبدالأسد والأرقم بن الأرقم اشهـدوا[48].

3 ـ معجزة النخلة:

روي عن أبي عبداللّه‏ عليه‏ السلام أنّه قال: من الناس مَن لا يؤمن إلاّ بالمعاينة، ومنهم مَن يؤمن بغيرها. إنّ رجلاً أتى النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله فقال: أرني آية. فقال بيده[49]
إلى النخلة فذهبت يمنة، ثمّ قال هكذا فذهبت يسرة، فآمن الرجل[50].

فضل موضع قبره صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله ومسجده:

روى ابن قولويه في كامل الزيارات بإسناده عن أبي عبداللّه‏ عليه‏ السلام ـ ضمن حديث ـ قال: إنّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله قال: مابين منبري وقبري روضة من رياض الجنّة، وإنّ منبري على تُرعة من تُرَعِ الجنّة، وقوائم المنبر رتب في الجنّة[51].

وروى الشيخ الصدوق فى من لايحضره الفقيه عن أميرالمؤمنين عليه‏ السلام قال: لا تُشَدُّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول اللّه‏، ومسجد الكوفة[52].

وروى الشيخ الكليني في الكافي بإسناده عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبداللّه‏ عليه‏ السلام : إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله فأتِ المنبر فامسحه بيدك وخذ برمّانتيه ـ وهما السفلاوان ـ وامسح عينيك ووجهك به، فإنّه يقال إنّه شفاء العين، وقُم عنده فاحمد اللّه‏ وأثن عليه وسل حاجتك فإنّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آلهقال: مابين منبري وبيتي روضة من رياض
الجنّة، ومنبري على تُرعة من تُرَع الجنّة ـ والتُرعة هي الباب الصغير ـ .

ثمّ تأتي مقام النبيّ صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله فتصلّي فيه مابدا لك، فإذا دخلت المسجد فصلّ على النبيّ، وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك، وأكثر من الصلاة في مسجد الرّسول صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله[53].

وفاته صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله :

كانت وفاته صلى ‏الله‏ علیه ‏و‏ آله يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة، عند أكثر الإمامية.

وقال الكليني: لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل في السنة المذكورة.

وقال المفيد والطوسي: سنة عشر من الهجرة[54].

 

 

[1] ـ السيرة الحلبية: 1/28.

[2] ـ راجع السيرة النبوية لابن هشام: 1/156.

[3] ـ أطمَة: الحِصن.

[4]           ـ السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 159.

[5] ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 1/228 رقم 1117.

[6]           ـ مناقب آل أبيطالب: 1/159.

[7] ـ راجع عيون أخبار الرضا عليه‏ السلام : 1/246 ح 1، والبداية والنهاية: 6/21، ومسند أحمد: 1/127، وأعيان الشيعة: 1/220، والخصال: 598، وغيرها.

[8] ـ الخرائج والجرائح: 1 / 143 ح 231.

[9] ـ الأنفال: 30.

[10] ـ البقرة: 207.

[11] ـ المائدة: 67.

[12] ـ الضّبْعُ: وسط العَضُد، وقيل: العَضُدُ كُلُّها. والعضُد هو مابين المرفق إلى الكتف ويُقال له: الساعد.

[13] ـ انظر الغدير: 1 / 276، وشواهد التنزيل: 1 / 203 ح 213.

[14] ـ انظر تذكرة الفقهاء: 2 / 565 ـ 566 الطبعة القديمة والبحار: 16 / 382 ـ 388 ضمن رقم 96.

[15] ـ بحارالأنوار: 16/224 ح 24.

[16] ـ نفس المصدر: 16/225 ح 29.

[17] ـ الحضيض: الأرض.

[18] ـ بحارالأنوار: 16/225 ح 30.

[19] ـ نفس المصدر: 16/225 ح 31.

[20] ـ نفس المصدر: 16/229 ذيل ح 35.

[21] ـ قال المجلسي: في بعض النسخ بالراء بدل الزاي، ومعناها: لا يدنّس نفسه بذلك.

[22] ـ بحارالأنوار: 16/216 ح 5 .

[23] ـ الوكاف: البرذعة، وهي ما يُوضع على الحمار أو البغل ليُركب عليه، كالسّرْج للفرس . المعجم الوسيط: 2 / 1067.

[24] ـ بحارالأنوار: 16/220 ح 11.

[25] ـ بحار الأنوار: 16/222 ح 19.

[26] ـ بحار الأنوار: 16/214 ح 1.

[27] ـ الحَبَلة: طاق من قُضبان الكَرم. لسان العرب: 11/138.

[28] ـ بحارالأنوار: 19/6 ـ 7 ضمن ح 5.

[29] ـ المصدر السابق: 16/229 ضمن رقم 35.

[30] ـ بحار الأنوار: 16/230 ضمن رقم 35.

[31] و 5 ـ المصدر السابق: 16/236 ضمن رقم 35.

[32]

[33] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 1/123.

[34] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 1/126.

[35] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 1/185.

[36] ـ قال ابن عبّاس: أراد به أ نّه قويّ البدن، فإذا مشى فكأ نّه يمشي على صدر قدميه من القوّة. لسان العرب: 1 : 517.

[37] ـ الذواق: هو المأكول والمشروب. لسان العرب: 10/111.

[38] ـ بحارالأنوار: 16/236 ـ 237 ضمن رقم 35.

[39] ـ مجمع الزوائد: 4 / 393 ضمن ح 7113.

[40] ـ بحار الأنوار: 77 / 176 ضمن رقم 9.

[41] ـ البغاة: الطلاّب.

[42] ـ الكافي: 1 / 30 ح 1.

[43] ـ مسند أحمد: 4 / 158.

[44] و10 ـ بحار الأنوار: 77 / 171 ضمن رقم 6.

[45]

[46] ـ إرشاد القلوب: 189.

[47] ـ تحف العقول: 27.

[48] ـ السيرة النبوية لابن كثير: 2 / 18 ـ 19.

[49] ـ أي أشار.

[50] ـ الخرائج والجرائح: 1 / 90 ح 149.

[51] ـ كامل الزيارات: 16 ب 3 ح 2، عنه البحار: 100 / 151 ح 19. وفي الكافي: 4 / 553 ضمن ح1، ومعاني الأخبار: 267 صدر ح 1، والتهذيب: 6 / 7 ضمن ح 5 إلى قوله «ترع الجنّة». وفي الفقيه: 2 / 568 ح 3160 مرسلاً مثله. وراجع موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏السلام : 1 / 35 رقم 73.

[52] ـ من لا يحضره الفقيه: 1 / 231 ح 694. ورواه أيضاً في الخصال: 143 ح 166 مثله. وراجع موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏السلام : 1 / 37 رقم 79.

[53] ـ الكافي: 4 / 553 ح 1. وفي التهذيب: 6 / 7 ح 5 مثله. وراجع موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏السلام : 1 / 39 رقم 84.                                            

[54] ـ راجع موسوعة زيارات المعصومين: 1/5.